samedi 20 juin 2009

موضوع الاختلاف


موضوع الاختلاف

الاختلاف بين البشر في الأفكار والآراء والتوجهات والمواقف أيضاً إنما يعود لأحد منشأين:
1ـ منشأ النظر العقلي أو العلمي سواء كان فلسفياً أو فقهياً أو غيرهما وهو المصطلح عليه (بالاختلاف العلمي) وهو المقبول شرعاً لأنه أمر طبيعي خصوصاً بين أهل المعرفة والنظر والرأي من العلماء والمفكرين.
وبهذا النوع من الاختلاف تتقدم العلوم وتنشأ الحضارات، وتنمو المدارس الفكرية والمذاهب الفلسفية وغيرها، وفي ظله يصبح من المألوف أن توجد المذاهب المختلفة والمجتمع الذي لا تنمو فيه هذه الاختلافات هو مجتمع سقيم وهذا ما تشير إليه الروايات بأن الاختلاف رحمة فقد ورد عن النبي(ص) (اختلاف أمتي رحمة)12 وورد عن عبد المؤمن الانصاري قال: قلت لأبي عبد الله إن قوماً رووا أن رسول الله) قال (إن اختلاف أمتي رحمة؟) فقال: صدقوا..13. وبهذا النوع من الاختلاف تتم التوسعة والفسحة على الأمة.
لان اختلاف الآراء الاجتهادية يثري الفقه، وينمو ويتوسع نظراً لاستناد كل رأي إلى أدلة واعتبارات شرعية أفرزتها عقول كبيرة تجتهد وتستنبط وتوزن وترجح وتؤصل الأصول، وتعقد القواعد وتفرع عليها الفروع والمسائل، وبهذا التعدد المختلف المشارب المتنوع المسالك تتسع الثروة الفقهية التشريعية ويصبح من وراء تعدد المدارس والمــشارب والمذاهب والأقـــوال كنوز لا يقدر قدرها وثروة لا يعرف قيمتها إلا أهل العلم والبحث14.
2ـ منشأ حب الذات والمصالح الشخصية ـ بما فيها الأنا الفردية والجهتية ـ وهو المصطلح عليه (بالاختلاف المصلحي).
وهذا النوع من الاختلاف ينشأ عادة بسبب تضارب المصلحة الشخصية أو مصلحة الجهة أو المدرسة أو الفكرة مع المصلحة القيمية أو العامة، ومن هنا تنشأ التمزقات والعداوات والفرقة وتترتب عليه الآثارالسيئة والسلبية الخطيرة.
وهذا ما أشارت إليه الآيات بأنه اختلاف العذاب كما في قوله تعالى (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت ارجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض)15 وما نهت عنه الروايات واعتبرته سبباً للهلاك فقد ورد (لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا).
هذان هما منشأ الاختلاف بين البشر.
فالأول عقل وعلم ورحمة.
والثاني هوى ومصلحة ونقمة.
ففي الاختلاف العلمي تنمو الطاقات وتتفجر القدرات في أجواء حرة إيجابية أما في اختلاف المصالح فينحبوا صوت الفكر والرأي لمصلحة رأي واحد يقسر أحدنا عليه الآخر.
وربما يستثمر أصحاب الأغراض والمصالح هذا النوع من الاختلاف في تصفية حسابات مع هذا أو ذاك من أطراف الرأي الآخر كما حدث في المسألة الكلامية (خلق أو قدم القرآن) حيث استخدمها البعض لتصفية حسابات سياسية مع من يختلف معه في الرأي دون أن يكون له أدنى معرفة بالمسائل العلمية ولكن المصلحة اقتضت أن يلتزم برأي ويحاول قسر كل من يختلف معه على هذا الرأي.

الخلاصة
إن الاختلاف مما لابد منه وهو كائن قديم ـ كان ولا يزال ـ يعيش معنا وينبغي أن نسلم به ونتكيّف معه ونحاول تطويره والانتقال به إلى الحالة الإيجابية وأن يكون هدفنا جميعاً البحث عن الحقيقة متسلحين بنقذ الذات قبل الآخر سواء كان فكراً أو رأياً أو شخصاً.
وفي سيرة الرسول وأهل البيت(ع) وسيرة السلف الصالح الكثير الكثير مما ينبغي التأسي بهم كما قال القرآن الكريم (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)27.
وبهذا فقط يمكن أن نحقق الذات العليا وان نتعايش مع الآخر.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire